[size=25]القلبُ أصبحَ غيرَ القلب..
والعينُ غير العين...
فقد كان قلبُه خاشعاً للهِ مخبتاً...
وعينُه طالما ذرفتِ الدموعَ خشيةً للهِ تعالى...
أما اليوم فقد أجدبتِ العينُ وأقفرَ القلب!
وأمسى الكسلُ بديلاً للنشاط،والصدودُ حلَّ محلَّ الإقبال!
يسمعُ آياتِ الله تتلى فلا يقشعر له جلد،ولا تدمع له عين!
آياتُ اللهِ التي لو أُنزلت على جبلٍ لتصدع من خشية الله لا تحرك فيه ساكناً!
فأراد أن يلقنّ الروحَ درساً لن تنساه،حتى تعودَ إلى جادة الصواب!
فعندما اقتربت الساعةُ من الثانية ليلاً انطلق إلى مقبرة الحي!!
ترجل من سيارته ودخل الباب فارتعدت فرائصه واضطرب قلبه بمجرد دخوله في هذا المكان الموحش!
السكونُ مخيمٌ على المكان!
هدوءٌ يقبض الروح!
ورائحةُ الموتِ تفوح بين هذه القبور الواعظة الصامتة!
هناك قبرٌ قد اندرست آثاره،وهذا قبرٌ جديدٌ ربما كانت هذه الليلة الأولى لصاحبه!
فيالله!
ما أفظعها من ليلةٍ،بكى منها الصالحون،ونصبوا الأقدامَ بين يدي الله عز وجلَّ خوفاً من أول ليلةٍ في القبر!!
وخوفاً من هول المطلع والسؤال!
ثم تساءل:كم من قبرٍ منعمٍ وكم من قبرٍ معذب!!
فظواهرُ القبورِ واحدة،لكن البواطن تختلف وتتمايزُ فيما بينها،فقبرٌ كروضةٍ من رياضِ الجنة،وآخرُ كحفرةٍ من حفرِ النيران!
خطى خطواتٍ نحو الأمام باحثاً عن قبرٍ جاهزٍ ينتظر جنازةً مرتقبة!
تجول بين القبور وبعد برهة من الزمن وجد مبتغاه!
قبرٌ جاهزٌ محفورٌ وملحودٌ ولكن النزيل الذي أعد له لم يصل بعد!
يا له من منظر مهولٍ تتصدعُ من هوله قلوب الصالحين الأخيار!
تساءل:من صاحب هذا القبرُ يا ترى؟!
هل يعلمُ ذلك المجهول أن هذا القبرَ معدٌّ له،وسيكون منزله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؟!
ذرفت من عينيه وهو يتساءلُ دمعةً ساخنةً فسالت على إثرها دموع الخشية والخوف من الله عز وجل!
نزل في القبرِ وتمدَّد في لحدِه على شقِهِ الأيمنِ فزاد نشيجُهُ وبكاؤه،وردد بلا شعور: ربِّ ارجعني لعلي أعمل صالحا فيما تركت!! فأتاه الجواب من قِبَلِ نفسِهِ اللوامةِ : أنتَ في زمنِ الإمهال فتزود قبل أن تحلَّ هذا المكانَ الموحشَ بالحنوطِ والأكفانِ وتُعاينُ الملكانِ وهما ينتهرانك ويسألانك من ربك ومن نبيك وما دينك؟!
واستغلْ أيامك المتبقيةَ بكلِّ ما يقربك إلى الله عز وجل،واعلم أن الدنيا دار ممر لا مقر،وأن إلى ربك المنتهى،فإما جنةٌ أو نارٌ تلظى،واعلم أن اليوم عملٌ ولا جزاء،ويومَ القيامةِ جزاءٌ ولا عمل.
خرجَ من ذلك القبرِ الموحشِ باكياً تائباً عائداً إلى الله عز وجل.
فصار القلبُ غير القلب الذي جاء به،والعين غير العين التي دخل بها!
وسال اللهَ الثبات على طريق الحق حتى الممات.
*
*
*
نفع اللهُ كاتبها وقارئها بما فيها من تذكيرٍ ووعظٍ.
كتبتها ولسان حالي يقول:
إذا لم يعظ في الناس من هو مذنب ********** فمن يعظِ العاصين بعد محمد؟!
اللهم صلِّ وسلم عليه ما تعاقب الليل والنهار.
===
[/size]